21 jul 2008

نص الاستجواب الذي أجرته جريدة أخبار الوطن المغربية مع القيادي في جبهة البوليساريو أوبي البشير

أوبي البشيرالقيادي في جبهة البوليساريو
ولد بتاريخ: 01. 01. 1970، بمنطقة تعرف بميجك بالصحراء الغربية.
ـ حاصل على الاجازة من جامعة دمشق سنة 1992، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة باريس 8 سنة 2002، ويحضر الآن أطروحة الدكتوراه حول "الوطنية الصحراوية" بجامعة السوربون1 بباريس.
ـ أثناء السنوات الأولى لديناميكية مخطط التسوية الأممي، شغل منصب المدير العام للجنة الصحراوية للاستفتاء، وهي المؤسسة المكلفة بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية. بالموازاة مع ذلك، كان رئيس تحرير سابقا لمجلة "الاستفتاء" الأسبوعية وذلك الى غاية 1997.
- لاحقا، عُين مديرا للشؤون السياسية والاعلام بوزارة الخارجية الصحراوية الى غاية 1999.
ـ بين سنتي 2001 و2003 عُين ممثلا للبوليساريو بهولندا ، وبعد ذلك ممثلا لها في المملكة المتحدة وايرلندا بين 2003 و2005.
ـ بين سنوات 2005 و 2008، شغل منصب سفير الجمهورية الصحراوية لدى دولة جنوب افريقيا بعد اعترافها بهذه الاخيرة. ومنذ مطلع هذا العام يشغل منصب سفير الجمهورية في نيجيريا.
- يتكلم اربع لغات الى جانب العربية، الانجليزية والفرنسية والاسبانية
سؤال رقم 1:
من مبدأ استفتاء تقرير المصير – مخطط بيكر – الذي قدم مرحلة انتقالية من خمسة سنوات – تنازع في التفاصيل المرتبطة بلوائح الناخبين... الحديث اليوم عن حل وحيد وهو مشروع الحكم الذاتي في رأيك ما الداعي الذي دفع المغرب لينقلب على الاستفتاء ؟
الجواب: دعني في البداية، باسم الشعب الصحراوي وباسم قيادات وأطر البوليساريو، أن أحيي "أخبار الوطن" ومن خلالها كل الصحف المغربية المهنية التي سعت، رغم كل المحاذير، الى استغلال نافذة الانفتاح الديمقراطي الجزئي المسجل في المغرب منذ سنوات، من أجل تسليط الضوء على النزاع، عن طريق اعطاء الفرصة للصحراويين من أجل التحدث مباشرة الى اخوانهم المغاربة. هذا الجهد، يوازي في أهميته مسار المفاوضات المباشرة الجارية الآن بين طرفي النزاع. فمن الناحية المنهجية نحن مطالبون، صحراويين ومغاربة، بكسر أكوام جليد الأوهام والأحكام المسبقة والاكلشيهات والنزوع القاتل نحو الاقصاء والنفي المسيطر على النفوس منذ بداية النزاع. فالسياسيون يستطيعون التفاوض الى ما لا نهاية، لكن التربة الوحيدة التي سوف تُنبت التسوية، هي تربة الشعبين الصحراوي والمغربي، وأتصور أن تلك التربة ما تزال في الحاجة للكثير من "التقليب" و "السماد"، حتى تثمر. مسعاكم في "أخبار الوطن" وفي العديد من الوسائط الأخرى يشكل خطوة جوهرية في هذا الاتجاه، ووعيا عميقا برسالة الصحافة والصحفي. فهذه الديناميكية الاعلامية، التي يشهدها المشهد الصحفي المغربي فيما يتعلق بالصحراء الغربية، تعتبر بالغة الأهمية من حيث مساهمتها في تكسير جدران الفصل والحظر الاعلامي الذي كان ممارسا بحق كل ما هو صحراوي في الوسائط الاعلامية المغربية.
فيما يتعلق بالسؤال، لن أعود بكم للتاريخ، فالجميع يعرفه. بالرغم من ذلك، أجد نفسي مجبرا على التذكير ببعض الأمور: أولا: بغض النظر عن كون الاستفتاء هو صلب فلسفة القانون والشرعية الدولية في تسوية النزاع منذ بدايته الى الآن، فانه من الناحية السياسية، كان وما يزال الحل الوسط الوحيد بين طرحين متناقضين. فالمغرب، كان قد أعلن "الملف مغلقا" و " الصحراء مغربية أحب من احب وكره من كره" نهاية 1975. والبوليساريو، أعلنت الجمهورية العربية الصحراوية دولة مستقلة كاملة السيادة على التراب الصحراوي. وقبول مبدأ الاستفتاء، كان يتطلب من الطرفين التعايش مع احتمال أن يكون طرحه الأصلي خاطئا في حالة ما اختار الشعب الصحراوي طرح الطرف الآخر. وكنا، بكل روح رياضية، نستطيع المضي في هذا الاتجاه، واستغلال نتيجته، أيا كانت النتيجه، لتأسيس جسر من التواصل والتآخي والتضامن بين الشعبين الشقيقين، وهي نتيجة حتمية، طال الدهر أو قصر. لكن المشكل، وهنا أضر المغرب بصورته الدولية وبموقفه من الناحية الاستراتيجية، حين أعطى للعالم الانطباع، بأن الاستفتاء يعني بالضرورة استقلال الصحراء الغربية. السؤال الذي يطرح نفسه دائما، لماذا لا يعني الاستفتاء الانضمام للمغرب بالضرورة؟ ثانيا: بعد تشكل هذا الانطباع لدى الرأي العام الدولي، بدأ المغرب ينسحب تدريجيا من دائرة الشرعية والقانون الدولي، ويتموقع، أو بالأحرى يتمترس، وراء أسوار الأمر الواقع ومنطق القوة، ونسيت الدولة المغربية، أن هذا المنطق قد يجعل "المغرب في صحرائه" كما يقول الملك، أمنيا وعسكريا بصورة مؤقتة، لكنه لن يجعل "الصحراء في مغربها" لا شرعيا ولا سياسيا ولا اجتماعيا ولا حتى عاطفيا. وهذا الوضع للأسف الشديد، لا يخدم مستقبل الشعبين، ويدخل في تناقض صارخ مع أجندة "العهد الجديد" وما تدعو له من اطلاق للحريات وانفتاح ديمقراطي. فمأزق النزاع على الصحراء الغربية، مرتبط بشكل حيوي بمأزق الديمقراطية في المغرب، لأن المسألة مرتبطة بقدرة الدولة المغربية على تمكين الصحراويين من حقهم الديمقراطي في التصويت وتقرير المصير بشكل أصلي ومطابق لمبادئ القانون الدولي. ثالثا: المغرب كان أشد المؤيدين لاستفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية خلال مراحل عديدة من النزاع. هذا التأييد لامس حدود "المزايدة" في بعض الأحيان حين صرح الملك الحسن الثاني، صيف سنة 1987 في لندن، أنه مستعد لفتح السفارة المغربية في العيون فورا، اذا ما صوت الصحراويون للاستقلال. هناك عشرات التصريحات والخطابات الرسمية التي تثبت ذلك، لكنني سوف أكتفي باثنين فقط: الأول لوزير الخارجية المغربي محمد الشرقاوي يوم 13 أكتوبر 1966، أمام الدورة ال21 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حين أعلن دعم المغرب لاستقلال الصحراء الغربية وجعل الشعب الصحراوي يمارس سيادته على أرضه. الثاني، هو خطاب الملك الحسن الثاني يوم 27 سبتمبر 1983، أمام الدورة ال 37 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أكد فيه استعداد المغرب لتنظيم استفتاء تقرير المصر، وتسهيل دخول المراقبين الدوليين وتعهده الرسمي باحترام نتائجه أيا كانت تلك النتائج. والأمثلة كثيرة جدا على قبول ودعم المغرب لاستفتاء تقرير المصير، وصولا الى موافقته على مخطط السلام الأممي – الافريقي الذي تم بموجبه توقيع وقف اطلاق النار وانتشار المينورسو.
أما حين تسألني عن أسباب رفض المغرب للاستفتاء، فانني شخصيا، أقول لك، أن تصورا بدأ يتشكل الآن لدى الصحراويين بأن المغرب لم يكن مؤمنا في أي يوم من الأيام بتنظيم استفتاء حر، ديمقراطي ونزيه في الصحراء الغربية، وانما استحدامه instrumentalisation، لتكريس الاحتلال، أمام استحالة الاستمرار في تمويل الحرب. ومن أجل ذلك وضع المغرب تصورا مكتملا للموضوع يتضمن مخططين، مخطط أصلي ومخطط بديل. المخطط أ - Plan A، وهو الدخول في ديناميكة التطبيق من خلفية "الاستفتاء التأكيدي" عن طريق محاولة التأثير على نتائج التصويت وتزويرها، باقحام أكبر عدد ممكن من المغاربة كمصوتين. في هذا الاطار تأتي محاولة الحصول على دعم الموظفين الأمميين بالترهيب والترغيب، وتشييد مخيمات في جميع المدن الصحراوية الكبرى لايواء مشاريع المصوتين القادمين من الشمال. هذه المرحلة - المخطط استمرت، نظريا، الى غاية يناير سنة 2000 تاريخ نشر الأمم المتحدة للائحة المصوتين المؤقتة، والتي بدا واضحا للمغرب من خلالها فشل الخطة أ، واستحالة تزوير الاستفتاء، وأن الاستقلال سيكون النتيجة الحتمية، اذا ما تم تنظيم الاستفتاء بتلك اللائحة. أمام هذا الفشل، تم اتخاذ القرار بالانتقال سريعا الى الشروع في تطبيق المخطط ب - Plan B والذي كان جاهزا في ذهنية أصحاب القرار في المغرب، والقاضي بوضع كل العراقيل الممكنة في طريق الاستفتاء وزرع الشكوك من حوالي امكانية تنظيمه، من أجل الوصول الى هدف محدد ألا وهو اشاعة شعور دولي بالنكد والممل fatigue diplomatique لدى الأمم المتحدة والوسطاء والمجتمع الدولي برمته، ووبالتالي زرع، ومن ثم ترسيخ الاعتقاد باستحالة تطبيق الاستفتاء. وهذا المخطط، أي المخطط ب البديل ما زال متواصلا الى اليوم. وبالرغم من النجاحات التكتيكية التي يحرزها المغرب من خلال مخطط ب البديل، الا أنه يفشل بشكل ذريع على المستوى الاستراتيجي. فما يجري الآن في المدن الواقعة تحت السيطرة المغربية ومدن جنوب المغرب من مظاهرات يومية، تعرف الدولة المغربية أنها سياسية بالدرجة الأولى، وتتعلق بحق تقرير المصير، اضافة الى ممارسة الدولة الصحراوية سيادتها الفعلية على الجزء المحرر من الصحراء الغربية، واتساع رقعة الدعم الدولي الطويل المدى، غير المرتبط بادارات معينة.... كل هذا، قد يجعل المغرب، يوما ما في المستقبل، يقف متحسرا على تضييع فرصة مخطط بيكر الذي يعطي للمغرب أغلب أوراق التحكم في اللعبة، لكن الرباط تُعيب عليه نقطة واحدة. عيبه في عين المغرب، انه لم يعطه أداة التحكم في قلوب الصحراويين، وقت التصويت بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي. وهو مالم ولن يعطيه أي مخطط للتسوية لأي نزاع تقرير مصير في العالم.
سؤال رقم 2:
أربع جولات من المفاوضات المباشرة، ما تقييمكم لنتائجها ؟ وما تعليقكم على تصريحات بيتر فان والسوم للجريدة الهولندية "هاندلسبلد" أن المفاوضات لم تكن حقيقية بل لقاءات فارغة المضمون ومضيعة للوقت ؟
الجواب: دعني، في البداية، أقول لكم اننا لا نتفق مع من يقول أن الجولات الأربع كانت مضيعة للوقت. فالاقرار بأنها لم تأت بالنتائج الضرورية، لا ينبغي أن يقودنا الى القول بأنها "مضيعة للوقت". فمن الناحية السيكولوجية، وهو أمر مهم جدا، ساهمت الجولات الأربع في كسر الحاجز النفسي الذي ظل جاثما على صدور الطرفين، يمنعهما من النظر مليا العين في العين واعطاء الروابط والعلاقات الانسانية فرصتها الضرورية في التغلب على مشاكل الدول. من ناحية أخرى، فرصة التفاعل أثناء الجلسات، أعطت للطرفين امكانية الوصول، دون وسيط، الى سبر أغوار المواقف، حدودها وآفاقها. ورمزيا، حلت، بشكل كبير، مشكل الاقصاء وعدم الاعتراف، فالمغرب يجلس مع البوليساريو، وليس مع أي طرف آخر. وبالتالي فان ثلاثية، تكسير الحاجز النفسي، سبر أغوار المواقف، والاعتراف المتبادل، تشكل ولو منهجيا فقط، خطوة في الاتجاه الصحيح.
لكن الاشكال المنهجي الأكبر، الذي يبرر جزئيا ربما، شعور البعض بمضيعة الوقت هو ما يتعلق بفهم قرار مجلس الأمن الدولي 1754، خاصة ما يتعلق منه بمبدأ تقرير المصير. فنحن في البوليساريو، نفهمه ضمن سياق القانون الدولي ولائحة 1514 (1960)، التي بموجبها تم تنظيم استفتاءات تقرير المصير في جميع انحاء العالم. ذلك يعني، اعطاء الشعب الصحراوي الفرصة لاختيار مستقبله بكل حرية، بما في ذلك الحرية في اختيار الاستقلال. أما المغرب، فهو اذ يتمسك بمقترح الحكم الذاتي، أصبح ـ تعسفاـ يزعم انه شكل من أشكال تقرير المصير، وذلك من أجل تجنب الاحراج أمام قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تعتبر ضمان ذلك الحق جوهر كل التسوية المطلوبة. ومشكلة "فالسوم" أنه لم يبذل الجهد الكافي من أجل توحيد التصور في هذا الاتجاه. هذه هي نقطة الانطلاق الجوهرية، وهي سبب المأزق، ولكن ليس من المستحيل التغلب عليها، اذا توفرت الارادة الحقيقية لذلك. وأخشى أن نكون في حاجة لأن يتأكد المغرب من فشل "المخطط ب"، قبل الشروع في مفاوضات جدية، حقيقية وهادفة الى التسوية العادلة والنهائية للنزاع.
سؤال رقم 3 :
مواقف أخرى للمبعوث الخاص للأمم المتحدة في النزاع فان والسوم قدمها "في أن اختيار الاستقلال غير واقعي في الظروف الحالية في الصحراء، وأنه يجب مناقشة مبدأ الحكم الذاتي وتطويره"، رسالة من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى محمد السادس تدعم مشروع الحكم الذاتي حسب ما عممته وسائل الإعلام المغربية، ما قراءتك لهذا التطور ؟
الجواب: فيما يتعلق بفالسوم، فان تصريحه خلال جلسة مجلس الأمن الدولي، يعتبر اعلان فشل واستقالة مسبقة. اذ لا يُعقل، مهما كانت الضغوط والنوايا، أن يقوم وسيط التفاوض، باعطاء الانطباع بوجوده أقرب من موقف أحد الطرفين دون الآخر، فمابالك باعلان الارتماء في أحضان أحدهما. هاجس الوسيط العادل، هو اعطاء الانطباع بالاحتفاظ بنفس المسافة الملمترية بين الطرفين، وهو ما فشل فيه فالسوم فشلا ذريعا. أن تعلن أن "استقلال الصحراء الغربية ليس خيارا واقعيا" فأنت تسطو على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وتقرر مكانه، وهو ما لم يكن، ولن يكون، من مهمة الوسيط أبدا.
فالسوم وقع في خطأ المبالغة في قراءة النزاع "بواقعية"، وغاب عنه أن القانون الدولي، وحقوق الشعوب التي لا تسقط بالتقادم، هي جزء من الواقع أيضا.
على كل حال، وبالرغم من التزامنا بالتفاوض وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي بهذا الصدد، فان السيد "فالسوم" يعد من الماضي، بكل بساطة، لأنه أراد ذلك.
أما عن الموقف المعبر عنه من طرف الرئيس الأمريكي في رسالته الأخيرة، فانه لا يحمل جديدا، اذ طالما عبرت الولايات المتحدة عن دعمها للمغرب، خاصة خلال السنوات الأخيرة. ونحن لا نملك الا أن نعبر عن استغرابنا، من نزوع الدولة العظمى نحو ارساء الممارسة الديقراطية في أماكن من العالم وعدم ترددها في فقأ عين نفس الديمقراطية في الصحراء الغربية.
سؤال رقم 4:
الولايات المتحدة الأمريكية حصلت على قاعدة في المنطقة – بطانطان - لاستقبال القوات الأمريكية الخاصة بإفريقيا، وهو منفذ لمراقبة الطريق البحري -يحمل حوالي 50% من الوقود- الذي تحتاجه أوروبا، وكذلك متابعة شبكات الإرهاب بشمال إفريقيا، ألا يشكل هذا بالنسبة لأمريكا بمنطق المنفعة، عوامل لاقتراب من الموقف المغربي وتراجعا على مواقف والتزامات سياسية سابقة اتجاهكم ؟
الجواب: اذا كان هذا هو فهم الادارة الأمريكية لمصلحتها في المنطقة، فأتصوره فهما ناقصا وقصير المدى. ففي النهاية، العالم، بما فيه الولايات المتحدة، يربح فقط، اذا ما تم تأسيس دعائم الاستقرار الدائم والنهائي بالمنطقة، وازالة كل أسباب التوتر الحالية والمحتملة. وما لم يجد نزاع الصحراء الغربية حلا عادلا ونهائيا على أساس احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، فان أكبر أسباب عدم الاستقرار في المنطقة سوف يبقى قائما. وعدم الاستقرار لا يعني الحرب بالضرورة، فالفقر قنبلة موقوتة في المغرب، وأكبر أسبابه هي ملايين الدولارات التي تصرف يوميا من أجل تكريس التواجد المغربي في الصحراء الغربية. ان ما يتم دفعه من الأموال سنويا في تمويل اللوبيات بالولايات المتحدة وأوروبا، أكثر من كاف لتنمية حي سيدي مومن في الدار البيضاء، وبالتالي تجنيب تلك المدينة الجميلة خطر الانفجارات مجددا.
الولايات المتحدة لم يكن لها التزام مع البوليساريو في أي يوم من الأيام. التزامها كان مع مخطط التسوية واستفتاء تقرير المصير، وهي مخططات أممية وليست صحراوية. نحن في النهاية، لا نطلب من أي كان التزاما مباشرا معنا كحركة، وكلما نطلبه هو الالتزام مع القانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة.
سؤال رقم 5:
هل هناك جولة خامسة من المفاوضات المباشرة ؟ وعلى أية أرضية ؟
الجواب: من جانبنا، ستكون هناك جولة خامسة وسادسة وسابعة، حتى الوصول الى الرقم الذي يكفي بأن نشرف التزاماتنا أمام العالم وأمام شعبينا بالتوصول الى اتفاق حقيقي حول تسوية سلمية، عادلة ونهائية للنزاع.
الاشكال الآن، هو التوقيت. وعلى كل، فنحن ننتظر مراسلات الأمم المتحدة، ونتطلع لدخول مرحلة "ما بعد فالسوم" بنفس الروح الايجابية.
أما فيما يتعلق بأرضية التفاوض، فهي تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة. يبقى الآن، هل سوف تنجح الأمم المتحدة في التغلب على أسباب المأزق الماضي. ننتظر ونرى.
سؤال رقم 6:
يلاحظ أن نزاع الصحراء غير مدرج بشكل جاد في أجندة المنتظم الدولي، ولا يلقى الاهتمام والمتابعة المطلوبة، ما هي إستراتجيتكم للدفع بهذا الملف ؟
الجواب: للأسف الشديد، فالعالم، لا ينتبه الا الى مناطق الاقتتال اليومي، ونحن كصحراويين نفهم جيدا معنى بيت زهير ابن أبي سلمى:
وما الحرب الا ما علمتم و ذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
وحين قبلنا خطة التسوية الأصلي ووقف اطلاق النار، كان لدينا مخطط أ فقط : تنظيم استفتاء تقرير المصير والاحتكام لارادة الشعب الصحراوي، بغض النظر عن نتيجة التصويت. لم نكن بصدد المناورة ولم يكن لدينا مخطط بديل. نحن لم نقل أبدا أن "الاستفتاء تأكيدي لاستقلال الصحراء الغربية"، لأننا سنقع في تناقض مبدئي مع موقفنا السياسي. نحن نعلم أن الاستفتاء يحتمل الاستقلال، مثلما يحتمل الانضمام للمغرب، وكنا مستعدين، ولم نزل لتقبل النتيجة. نحن، كما نقول دائما، لسنا أوصياء على ارادة الشعب الصحراوي ولا نزعم أننا نعرف مصلحته الوطنية أكثر منه، ومهمتنا التاريخية، تنتهي بتمكين هذا الشعب من تقرير مصيره بكل حرية عبر استفتاء ديمقراطي حر ونزيه. حين يصوت الصحراويون لصالح الانضمام، فسوف نقرر ماذا نريد من الجبهة بعد ذلك. لكننا لن نرفض تلك النتيجة ما دمت هي ارادة الشعب الصحراوي. بالمقابل، نود من الطرف الآخر الاستعداد للتعايش مع احتمال استقلال الصحراء الغربية، والقبول به، اذا ما كان هو الاختيار الديمقراطي للشعب الصحراوي. التمسك بمصادرة ذلك الحق، يُديم أسباب التوتر التي قد تدخل المنطقة الى منزلق خطير من جديد.
في البوليساريو، نود اثارة انتباه العالم الى قضية شعبنا دون اتخاذ قرار خوض الحرب واراقة الدماء من جديد. انه تحد كبير، لكنه اختيارنا الآن. وفي اعتقادي، فان العالم، وهو واسع وعريض، ولا يمكن اختزاله في بعض الدول العظمى، يتعاطف مع طرحنا، ونتلقى دعما معتبرا من جميع المناطق.
وما دام "الحق والقانون الدولي الى جانب البوليساريو" مثلما قال "فالسوم" ـ أيضا ـ في لقائه مع اليومية الهولندية، فاننا نسعى الى التواجد، قدر المستطاع في جميع المحافل الدولية ومنتديات المجتمع المدني، والتظاهرات الكبرى، حيث يوجد استعداد مسبق لدى هؤلاء الفاعلين لتفهم ودعم قضيتنا.
ومهما يكن، يجب ان لا نترك من لا يريدون للتسوية السلمية العادلة أن تنتصر، من استغلال كون القضية ليست في مكان متقدم من اجندة العالم اليومية، من أجل اطالة النزاع. فبالنسبة للشعبين المغربي والصحراوي، لا ينبغي أن تكون هناك قضية في العالم أهم من قضية الصحراء الغربية، والبحث، مهما كان شاقا، عن تسويتها ينبغي أن يكون النقطة الأولى في أجندة كل يوم. فالعالم لم يكتو بنار الحرب 17 سنة، ولم يخسر، ومازال ملايير الدولارات، ولا يذهب رغيف خبز أبنائه في شراء ذخائر الموت. الشعبان الصحراوي والمغربي، هما من يكتويان بتلك النار، واطفاؤها، الى غير رجعة، يجب أن يكون شغلهما الشاغل.
سؤال رقم 7:
ما تقييمكم لسياسة الدولة المغربية المعتمدة على " الإلحاق " بخصوص مجموعة من أطر الجبهة كعمر الحضرمي (العظمي) الحبيب أيوب وآخرين، وآخر عملية التحاق جماعي هي "كجيجمات" ألا تعتبر أن هذه السياسة حققت نتائج وتشكل ضربا لشعارات أن وضعكم بخير؟
الجواب: أنا لست بصدد اطلاق أحكام قيمة، من أي نوع، على قرارات اتخذها أشخاص معينون في لحظات معينة، فالتاريخ سيحكم في النهاية.
كما قلنا في مناسبات ماضية، تلك "الالتحاقات" كانت قرارات شخصية، ولم تعبر في أي يوم من الأيام عن موقف جماعي، لأي جماعة كانت. وعامة الصحراويين، لجأوا وانخرطوا في صفوف البوليساريو ولاء لفكرة ولقناعات وليس لأشخاص. والقناعة هي أن المغرب احتل الاقليم، بصورة غير شرعية، ومالم يُنظم استفتاء تقرير المصير، فان السبب الأصلي باق، وبالتالي فان قناعة السواد الأعظم من الصحراويين، شرق الحزام وغربه، باقية وثابتة أيضا.
تلك "الالتحاقات"، التي لا تستطيع أن تكون الا فردية، لم تحقق أية نتيجة تذكر على المستوى العملي داخل الجبهة، وداخل الوجود الوطني الصحراوي ككل. صحيح أنها تعطي لوسائل الاعلام الرسمية المغربية فرصة اعطاء الانطباع بتصدع صفوف البوليساريو، بل وانهيارها أحيانا. لكن، في صباح اليوم الموالي، يستفيق المغاربة على وفودهم تتفاوض مع نفس البوليساريو، والعالم يُقر حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
باختصار، مهما كثرت الالتحاقات أو الالحاقات بالمغرب فرادى أو زرافات، فان الضرر، في حالة حدوثه، سيبقى ضررا في العرض وليس في الجوهر. والجوهر هو بقاء الجبهة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الصحراوي، تُناضل من أجل حقه في تقرير المصير، وتنال دعم وتعاطف الكثير في أنحاء العالم. هذا هو الجوهر، وهو باق بقاء انكار حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وكلما أمعن المغرب في انكار الحق، كلما ازداد التفاف الصحراويين حول الجبهة.
سؤال رقم 8:
خليهن ولد الرشيد أقر في شهادته أمام هيئة الإنصاف والمصالحة، "نشرتها الجريدة الأولى"، بوجود انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان التي مست الصحراء الغربية، هل سيكون موقف الجبهة مساندا للجمعيات الصحراوية التي تقدمت بدعاوي لدى المحكمة الوطنية بإسبانيا، أم العكس؟
الجواب: قيمة تصريح خليهن ولد الرشيد، لا تنبع من محتوى التصريح في حد ذاته، فالقاصي والداني يعرف حجم الجرائم الخطيرة التي ارتكبتها الدولة المغربية في الصحراء الغربية، خلال ما اصطلح على تسميته اعلاميا "بسنوات الرصاص". أهميته الاستثنائية تأتي من مدلول الآية الكريمة "وشهد شاهد من أهلها".
وبالتأكيد، فالبوليساريو تدعم تلك الشكاوى من الناحية الأدبية والسياسية، لكن المنظمات غير الحكومية الصحراوية والضحايا أنفسهم، هم من يتولون متابعة الملف من الناحية الاجرائية والعملية مع السلطات القضائية الاسبانية. عدم الافلات من العقاب ومبدأ المساءلة، نقطتان جوهريتان من صلب المواثيق الدولية، ومن مصلحة الشعب المغربي، قبل الصحراوي، أن تتم محاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم وانزال العقاب الملائم بهم.
فلا يُشرًف المغرب ولا الشعب المغربي، أن يحتضن أو يوفر الحماية لمن بقرن بطون الصحراويات الحوامل، ورمين بالناس من الطائرات أو دفنهم أحياء في مقابر جماعية. تلك الجرائم كان يرتكبها بعض المسؤولين المغاربة بحق الصحراويين باسم الوطنية المغربية، وقد آن الأوان للوطنيين المغاربة الحقيقيين من أجل صقل جدار المغرب النبيل من ذلك العار.
سؤال رقم 9:
هناك موضوع يثار حول المساعدات الإنسانية ومآلها، بحيث سجلت منظمات دولية أن عيوب تمس عملية توزيع وإيصال المساعدات على السكان، وتأكيد هذا من منظمات كانت قريبة إلى الجبهة ومواقفها، ونخص بالذكر جمعية فرنسا الحريات؟
الجواب: حسب علمي، المشكل مع "فرنسا – حريات" لا يتعلق بالدعم الانساني وانما بأسرى الحرب المغاربة الذين كانوا لدى البوليساريو قبل عملية الافراج النهائي الأحادي الجانب من طرف الجبهة عن أخر فوج منهم أوت سنة 2005. ومشكلتنا مع التقرير عبرنا عنها في ردنا الرسمي عليه أياما بعد صدوره، وما زال الرد موجودا على شبكة الانترنت الى اليوم. وخلاصته، أن مبعوثتي المنظمة لاجراء المهمة، استغلتا البعد الانساني الحساس للموضوع من أجل الحاق الضرر بصورتنا امام العالم، عن طريق اجتزائه عن سياقه العام، واللجوء الى تلفيق بعض الامور الى درجة السقوط في منزلقات خطيرة من الناحية المهنية.
أما فيما يتعلق بالدعم الانساني، فالمخيمات كانت وما تزال مفتوحة امام الجميع، والمنظمات الدولية الداعمة لديها مكاتب دائمة في المخيمات وهي من تدير برامج الدعم بنفسها، و تستطيعون التوجه، بأنفسكم، بالسؤال لتلك المنظمات حول الموضوع.
سؤال رقم 10:
جمعية فرنسا الحريات التي تترأسها عقيلة الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران قررت إثر زيارتها لتندوف في أبريل 2003 وقف الدعم السياسي والمادي؟ ما وضع علاقتكم بالجمعية المذكورة؟
الجواب: علاقاتنا اليوم طيبة مع "فرنسا الحريات"، ولنا لقاءات دورية، وموقفها ثابت من دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وهذا هو الأساسي.
سؤال رقم 11:
تصرحون دائما على أن الجزائر ليست طرفا في النزاع، وأن الجبهة هي صاحبة القرار، عدد من المهتمين والمتتبعين يقرون أن الجزائر طرفا أساسيا في النزاع، وان القرارات المتخذة من طرف الجبهة تمر عبر قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية؟
الجواب: نحن لم نقل في أي يوم من الأيام أن الجزائر ليست طرفا أساسيا في النزاع، والا كيف يتم استدعاؤها مع موريتانيا لحضور جميع الجولات التفاوضية؟. فبالتأكيد علاقة الجزائر بالنزاع ليست كعلاقة "اللوزوتو" به، لكن هناك وضعا خاصا بين اللاعلاقة، ووضع الطرف المباشر في النزاع الذي يود المغرب اقحام الجزائر فيه.
في البوليساريو لا نجد حرجا في الاعتراف وحتى الافتخار بأن الجزائر حليف استراتيجي للشعب الصحراوي، وأن المنطق، يجعل تنسيق المواقف أمرا عاديا بين الحليفين. ولكن الوصول بالأمر الى حد القول أن قرارات الجبهة تمليها الجزائر، يعتبر مجانبا للصواب جملة وتفصيلا. والحقيقة ان علاقة البوليساريو والجزائر، ربما تكون أحد النماذج القليلة بين حركات التحرر والدول الداعمة، التي تأسست، منذ البداية، على الاعجاب والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
سؤال رقم 12:
تتابعون مواقف الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية المغربية، كيف تنظرون وتقيمون تعاطيها مع نزاع الصحراء ؟ وكيف ترون تصريحات عبد الله الحريف الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي في الندوة التي نظمت مؤخرا بالبرلمان الفرنسي حول قضية الصحراء ؟
الجواب: سؤالكم يتطلب الاجابة ضمن مستويين، الأول متعلق بالأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية المغربية، والثاني يتعلق بالنهج الديمقراطي.
بالنسبة للأول، لا نملك الا أن نتأسف أن غالبية الأحزاب السياسية وبعض الجمعيات الحقوقية المغربية، ليس لها وجود ولا مواقف ذاتية فيما يتعلق بالصحراء الغربية، وتكتفي باعادة انتاج الخطاب والموقف الرسمي، أحيانا في أكثر صوره تشويها. المعضلة، التي لم نتوصل الى فكها الى حد الساعة في البوليساريو، هي عجز تلك الفعاليات في مجملها عن اعطاء النزاع حقه من الاهتمام، تقليبه على كل الأوجه، اتخاذ المبادرة في الاستماع للبوليساريو. بمعنى آخر، استغلال "الانفتاح الديمقراطي" واعطاؤه معنى حقيقيا في ما يتعلق بنزاع الصحراء الغربية. للأسف نفس السيناريو الحاصل منذ سنة 1975 ما زال قائما الى يومنا هذا، وهو السيناريو الذي يدفع بالبعض الى استخدام الورقة الصحراوية للمزايدة من أجل مكاسب ظرفية.
اما فيما يتعلق بالنهج الديمقراطي، الذي يعتبر الامتداد الطبيعي لحركة "الى الأمام"، فالذاكرة الجمعية للصحراويين لن تنسى أبدا تلك المواقف التاريخية الواضحة والشجاعة، التي أعربت عنها الحركة في ذروة القمع والتصعيد ودق طبول الحرب. نتذكر جميعا، منشور "لا لابادة الجماهير الصحراوية" حول المسيرة الخضراء الصادر نهاية 1975. نتذكر وثيقة ال13 نقطة الشهيرة والمعنونة ب "الجمهورية الصحراوية، انطلاق الثورة في المغرب العربي". نتذكر رجالا ونساءا دفعن ثمن التعبير عن موقف المساندة للشعب الصحراوي سنوات عديدة في غياهب السجون. نتذكر ونترحم يوميا على شهداء تلك المسيرة، من مثل سعيدة المنبهي، عبد اللطيف زروال، جبيهة رحال وأيمن تهاني وغيرهم كثر.
ذلك الموقف التاريخي، المعبر عنه، من جديد، من طرف الكاتب العام عبد الله الحريف، نعتبره الموقف الحقيقي والطبيعي للمواطن المغربي، بعيدا عن الصالونات المكيفة وعن الحسابات الحزبية الضيقة وعن حسابات المصالح المادية الشخصية. في البوليساريو، نعتبر النهج الديمقراطي في موقفه، يصدر عن احساس بالنبض الحقيقي للشارع المغربي في المدن والأرياف، عن المواطن المغربي، الذي لن يقبل، بوعيه، أن يكون طرفا في ظلم أحد.
نفس الأمر ينطبق على "الجمعية المغربية لحقوق الانسان"، التي تتبنى نهجا مهنيا راقيا في التعامل مع انتهاكات حقوق الانسان في المغرب وفي الصحراء الغربية، ولم يقدها الفهم الشوفيني الضيق للوطنية المغربية، بأن تستخدم معيارا مزدوجا وتتعامل مع الانسان الصحراوي، كما لو كان انسانا بأنصاف الحقوق أو بدونها، كما تفعل مجموعة من المنظمات الحقوقية المغربية الأخرى.
الأكثر من ذلك، اننا نعتبر موقف النهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الانسان، هو موقف المستقبل الحتمي بالنسبة لغالبية الفعاليات السياسية المغربية. الموقف الذي ينظر الى آفاق المستقبل أكثر من تفحصه تفاصيل قيود الماضي. والى حين التحاق الأحزاب السياسية المغربية الأخرى بالنهج الديمقراطي في موقفه، سوف ننتظر، كبوليساريو، كل الوقت الضروري، نمد يدنا للجميع، من أجل تحمل مسؤولياتنا التاريخية تجاه شعبينا الشقيقين.
نحن لا نطلب من أي حزب سياسي مغربي دعم البوليساريو، وكل ما نطلبه، هو ما يقوم به النهج الديمقراطي، دعم الشرعية الدولية ومبدأ الممارسة الديمقراطية والاحتكام لصندوق التصويت. مبدأ الصندوق وعملية التصويت، أتصورهما "ألف باء" العمل الحزبي ومبرر وجود الأحزاب. أ و يستقيم أن تتبنى مؤسسات ديمقراطية كالاحزاب المغربية مواقف تتأسس على مصادرة عملية ديمقراطية؟
سؤال أخير رقم 13:
شهد المغرب تغيرات، ذهاب الحسن الثاني ومجيء محمد السادس، إزاحة إدريس البصري ومجيء مسؤولين آخرين... كيف تنظرون لمغرب اليوم ؟
الجواب: فيما يتعلق بوضع المغرب بمعزل عن نزاع الصحراء الغربية، فمغرب اليوم، قد يكون أفضل من مغرب الأمس، بعض الشيء. وهذا التحسن لم يكن هبة، لكنه ثمرة تضحيات الشرفاء والأحرار من المغربيين والمغربيات. وبالرغم من أن الطريق ما زال طويلا، وربما شائكا، أمام الشعب المغربي من أجل تكريس دولة القانون والديمقراطية، الا أنني سوف أكون متحاملا ما لم أقر بواقع أن مغرب اليوم أفضل من مغرب الأمس عموما.
أما فيما يتعلق بالنزاع على الصحراء الغربية، فالوضع مختلف تماما. فمغرب الحسن الثاني، أثناء العمل بمخطط أ، وبغض النظر عن النوايا غير الصادقة، كان يقبل بمبدأ استفتاء تقرير المصير على الأقل، وبالتالي كانت ثمة أرضية صلبة للوصول الى حل، بالرغم من كل العراقيل والعقبات. على الأقل كنا نتفاوض، نناور، نتنازل، نتعنت، لكن ضمن سياق متفق عليه مسبقا وفوق أرضية يقف عليها كل طرف برجليه الاثنتين. الآن بعد اكتمال انتقال المغرب للعمل بمخطط ب، ورفض مبدأ استفتاء تقرير المصير، وجدنا أنفسنا خارج كل سياق، وليست ثمة أرضية حتى نقف عليها.
الرغبة النظرية المجردة في التسوية، بغض النظر عن صدقها من عدمه، هي مسألة أدبية أو شاعرية، لكنها لا تستطيع أن تشكل أرضية للتفاوض، فلا أحد يستطيع أن يقف برجليه على غيوم من الشعر. والحكم الذاتي لا يستطيع أن يشكل أرضية للتفاوض، لأنه يعني التسليم المسبق بتغليب وجهة نظر أحد الطرفين على الآخر، بالاضافة الى كونه اتخاذ قرار باسم الشعب الصحراوي في غيابه.
من يطلب منا أن نتفاوض معه على أرضية الحكم الذاتي، هو كمن يطلبنا أن نسطو على شيء ليس من ملكنا. فالسيادة، وهي مربط الجمل، بيد الشعب الصحراوي وحده. ونحن، في البوليساريو، لا نملك التفويض القانوني ولا الأخلاقي لاتخاذ القرار مكان الشعب الصحراوي. مهمتنا هي ايصال شعبنا الى النقطة التي يمارس فيها حقه في تقرير مصيره بكل حرية. اذا ما نحن فشلنا الآن، لا قدر الله، فاننا لن نرتكب خطيئة اغلاق الباب أمام الأجيال القادمة من أبناء الشعب الصحراوي من أجل المطالبة بحقهم في الوجود والاستقلال، وهو الحق الذي،
بخلاف منطق القوة، لا يسقط بالتقادم.

No hay comentarios: